خواطر وآراء
حول ظاهرة الارهاب

 

إن كافة المخلصين وفي كل الدول يسعون لترقية أوضاع شعوبهم ورفاهيتها، وازدهار بلدانهم وتنميتها، يبذلون مختلف الجهود ويجندون كافة الطاقات والموارد، ويسخرونها لما فيه خير وسعادة كافة أفراد المجتمع

إن كل هذا لا يتأتى لهم مهما كانت النوايا نبيلة إلا في تعايش أخوي واحترام المتبادل،

وبعبارة أعم في كنف السلم والاستقرار، بعيدا عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو الأجواء أو يضار بها.

لكن المتتبع لما يقع هنا وهناك عبر مختلف بقاع العالم ليصدم من هول ما يعيشه عالمنا الحاضر من فتن وحروب ودمار وخراب.

إنها أوضاع مؤسفة حقا يندهش الأنسان العاقل لهولها وفظاعتها،

ويبقى كل متحضر حائرا لا يدري أي تفسير يعطيه لما يعيشه، والى أي مصير تسير نحوه مختلف تلك الاوضاع المتردية.

الاسف كل الاسف أن أغلبية الدول التي مسها هذا الاضطراب هي من الحديثة العهد بالحرية والاستقلال، لم تعرف بعد التطور والتقدم الذي تنعم به دول مثلها، بل لا تزال ترزح تحت أوضاع قبلية شبه بدائية، بحيث يسهل إذكاء كل النعرات وإشعال نيران الفتنة

والتقاتل بين أبناء الوطن الواحد فيها، وهذا ما نشاهده في الدول الأفريقية خاصة.

إن هذه الحالات المؤلمة هي كذلك نتاج العهد الطويل للاستعمار الذي جثم على صدر العديد من تلك الدول، لتتمكن بفضل نضال المخلصين من أبناءها من التخلص منه والتحرر بعد كفاح مرير.

فعوض أن تسعى تلكم الدول المستعمرة لرفع الغبن التي تركت فيه المستعمرات، وما عانت منه من مخلفات سلبية من فقر وجهل وحرمان، فقد عمد إلى استغلال عناصر الضعف فيها مثل الحمية الدينية والنزعة العرقية والصراعات القبلية، لتوظفها لما يخدم مخططاتها و

يضمن مستقبلها واستدامة السيطرة وبسط نفوذها.

فصرفت الانظار عما خلفته من دمار وتخلف وتركة ثقيلة إلى ابتكار عناصر للفتنة والتقاتل بين أبناءها.

إنها الحيل والمكائد التي د أب عليها الأعداء المستعمرون للتستر على عيوبهم المخزية، والظهور دوما بوجه براق لكنه كاذب.

ولعل المنحطة من الدسائس هي ما توصل إليه هؤلاء الأعداء من إلحاق أبشع النعوت بالإسلامفبعد أن قهروه وعملوا على طمسه بكل الوسائل أيام إ لاستعمار، حاول أبناء المسلمين في تلك الدول الثأر لدينهم

فلم يجدوا لذلك سبيلا، مما اضطرهم إلى اللجوء إلى ما اعتقدوا أنه الأنجع وهو القوة علهم يحققون غايتهم، لكنها انزلقت إلى استعمال السلاح واعتماد القتل والسيارات المفخخة وغيرها من تخريب وفساد مع إ لسف.

إن هذه التصرفات العشوائية أعطت لأعدائهم فرصة ذهبية لنعت محاولتهم تلك بأرذل النعوت،

وهو الإرهاب، مضيفين له صبغة الإسلاموتلك هي الطامة الكبرى إذ وقعوا في الفخ الذي دبر لهم، فأصبح الارهاب مرادفا للإسلام وهو من كل ذلك براء، إذ هو دين الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، و

حتى الجدال فيه يجب أن يكون بالتي هي أحسن.

 

لقد ظهر هكذا ما سمي بالإرهاب وحاول المخططون له إلحاقه بالإسلام في حين أن ما يقوم به هؤلاء هو الإجرام بعينه.

لقد استغلت الدول المسيطرة على العالم حداثة وهشاشة الأوضاع في العديد من الدول الناشئة للتدخل كذلك في شؤونها الداخلية تحت غطاء ذرائع متعددة ومختلفة، كحماية حقوق الانسان وحماية الأقليات أو تطبيق ما سمي الديمقراطية وحرية الرأي والمعتقد، لكن كل ذلك

من الدسائس، وما كان إلا لتبرير للتدخل ومحاولة الرجوع للمستعمر القديم تحت غطاء جديد، وجهه الظاهر جذاب لكن الوجه الخفي له أبعاد ومرامي أقل نصحا وإخلاصا.

إن محاولات التدخل هذه هي في الحقيقة كما سبق ذكره عودة مقنعة للمستعمرين القدامى، لمواصلة استغلال خيرات تلك البلدان التي تزخر بها ولا تملك الوسائل إلى ذلك.

فلم تتورع حتى في زج الأخوة في تطاحن وصراع دموي، يأتي على القليل من المنجزات بل ويدمر ما بقي صامدا.

هذا ولم تتوان هذه الدول في تزويد الأطراف المتناحرة بأحدث الأسلحة، إمعانا في استدامة أساب التوتر والعداوة والتقاتل بين أبناءها. ومن جهة أخرى هي تسعى لا بقاء هذه البلدان سوقا رائجة لتلك الاسلحة وميدانا فسيحا لتجربتها.

وإن المشاهد المتتبع لما تعرضه الشاشات من صور مؤلمة للصراعات الدامية ليندهش لما يستعرض هنا وهناك من مختلف الاسلحة، خفيفة

وثقيلة ومن الذخائر بأنواعها، تجلب أكيدا بالعملة الصعبة، مما قد يلي أكثر من حاجة ضرورية لهذه الاطراف المتنازعة والمتناحرة، هي لا شك في حاجة ماسة لها. وهكذا تتضح النوايا الحقيقية لهؤلاء المتدخلين في

الشؤون الداخلية لهذه الدول، وهي البعيدة كل البعد عن التصريحات والمواقف المعلنة.

ولقد بدأت الفوضى تعم وتنتشر شيئا فشيئا والأسلحة تتداول بسرعة فائقة، لتصبح تجارة رائجة، ومصدر أرباح طائلة للكثير من المغامرين والمجربين لمختلف المنجزات، بل ولقد طالت حتى الهامة منها والحساسة.

فلم تسلم من ذلك حتى المدارس والمستشفيات رغم دورها الحيوي والإنساني.

ومع اختلاط الاوضاع فسح المجال لظاهرة خطيرة أيضا وهي المتاجرة بالمخدرات

فزيادة على كونها الهادمة للصحة والمخربة لعقول الشباب خاصة، فقد أضحت الوسيلة المثلى للربح الطائل والسريع لمن يتخذها وسيلته.

وكما هو معلوم فان مثل هذه النشاطات المحضورة يلجأ أصحابها إلى مختلف الوسائل وبخاصة الأسلحة التي لا يتورعون في استعمالها، ليلتقي الخطير بالأخطر وتعرف ظاهرة الإرهاب الغريبة تساعا شيئا فشيئا.

إن الإرهاب قد اتخذ من المتاجرة بالمحذرات وسيلة مثلى لاستدراج طوائف من الشباب، وبخاصة أولئك الذين يئنون تحت وطأة الفقر، ويعانون من البطالة والجهل، ويطمعون في تحقيق ربح سريع عله يوفر لهم غد أفضل.

وهكذا بدأت الفوضى العارمة تعم لتكتوي بنيرانها عديد البلدان، فاهتز أركانها وخرب العديد من منشأتها.

فالإرهاب أعمى لا يفرق بين الإنجازات بل وقد يلجأ إلى الاهم منها ضنا منه أنها الضربات الموجعة والقاتلة.

إنه تصدى كذلك لترويع الأمنين وقتل الابرياء رجالا ونساء وحتى الأطفال دون ذنب يذكر أو هدف إلا لزرع الخوف وقهر الجميع حتى يخضعوا لهوائهم وتلبية رغباتهم.

إن وطننا الجزائر مثلا قد اكتوى بهذا الإرهاب الهمجي الأعمى لمدة عشر سنوات تقريبا، مع ما خلفه من اغتيال للكفاءات وقتل للأبرياء وسفك للدماء وتخريب للمنشئات، وغير ذلك ما لا يمكن حصره.

ولقد سمى البعض هذه الفترة العصيبة بالحمراء وآخرون بالسوداء إلا أن الاوكد انها الفوضى، عانت منها مختلف طبقات الشعب ألوانا من التعدي على إ لشخاص والممتلكات مما ضجر منه الجميع، خاصة وأن الدوافع الحقيقية لم تكن بينة، ولا يمكنها تبرير كل الفساد الذي أقدمت عليه تلك العناصر الحاقدة المجرمة.





للمزيد يرجى تحميل الملف